• وإذا الطائر سئل... بقلم نورالدين الطويليع ـ اليوسفية
التقت الفئتان، تحمل كل واحدة منهما أعلاما، وتصدح بشعارات تقدح في الطرف الآخرإما معيرة أو شامتة، وبين فينة وأخرى تتشابك الأيدي في عراك سرعان ما يتم إخماد ناره ، ولو بعد حين ، ولم يكسر رتابة الوضع إلا طائر غريد زاهية ألوانه حلق في سماء الطائفتين ، زاغت الأبصار محدقة في هذا الطائر الجميل الذي اقترب من الجميع مصدرا أصواتا رنانة ضاربا بجناحيه كأنه يقدم تحية القدوم ، وحينما حط توافد الجميع لرد تحيته واستقباله الاستقبال الحسن ، فغر الكل فاه إعجابا بجماله ورونقه الذي زاده تألقا خاتمان ذهبيان مثبتان في ساقه اليمنى ، يدل الأول على هويته من خلال عبارة (ابن الياسمين )، والثاني عبارة عن شهادة تقديرية على زيارة تاريخية مظفرة لبلاد الكنانة مصر ، وغير بعيد عن المجموعتين وقف فريق ثالث مكتفيا بالتفرج محاولا كتم مشاعر التعلق والإعجاب ولسان حاله يقول :
نعم أنا مشتاق وعندي لوعة ولكن مثلي لا يذاع له سر
تراصت الطائفتان والتحمتا وتعالت عبارات ترحيبهم بالضيف الغالي الذي تتضوع منه روائح الياسمين والفل والريحان والنرجس، واتفقوا على تسميته برير ، اقترح البعض أن يوضع عليه رداء أحمر، في حين ارتأى آخرون أن يكون الرداء أخضر، فتعالت الأصوات منتصرة لهذا الطرف أو ذاك ، وفي خضم هذا اللجاج أصدر الطائر أصواتا شجية لامست شغاف قلوب الجميع ، واعتبروها دعوة إلى رص الصفوف والالتفاف حوله ، لاسيما وأن الأعين تتربص به الدوائر مابين من يريد قنصه ، ومن يريد وأده أو إقباره ، عندئذ اهتدى الجميع إلى ضرورة تركه على سجيته الأولى تجنبا للنقاش العقيم الذي لن تكون له أية نتيجة سوى التقهقر إلى سالف العهد ، فاندمجت الطائفتان مما أضفى على المشهد طابعا جماليا وفسيفسائيا زاده روعة لمعان الطائر وبريقه اللذان ازدادا تألقا ، و أنغامه التي صارت لازمة ترددها الألسن في كل فج عميق ، وبلسما للمثخنين بالجراح... ومبيدا يفزع قناصة الليل الذين ولوا مدبرين على أعقابهم وقلوبهم وجلة ، خصوصا وأنهم اكتشفوا أن لهذا الطائر سهاما بصرية لاتخطئ ، فكل من نظر إليه بشزر مدان في نفسه شيء من حتى ... ، لذلك اختفوا عن أنظاره كالجرذان .
لكن وكما يقال دوام الحال من المحال ، لقد أثار مظهر الطائر ذات يوم انتباه الجميع بعدما عب سما وضع له خلسة : خمول وقوى مضعضعة ، صوت خافت غاب عنه ذويه وجهوريته ، ريش منتفش ، عينان علاهما الرمد ، ولم تعد لهما القدرة على الرصد والتحري كما كانتا ... أخذت إحدى الطائفتين العصفور إلى غرفة الإنعاش ، فأثار الأمر حفيظة الطائفة الأخرى التي ارتأت أن يوكل إلى الطبيعة لتتولى علاجه بعيدا عن الأيادي المرتجفة ، وحينما لم يؤخذ برأيها انسحبت محتجة تاركة إياه يكابد آلامه وجراحاته