فاس جديد ..حي شبعي عريق كبير ..يبدأ من باب السمارين وينتهي عند تقاوس طالع وهابط الطريق المؤدية إلى جنان السبيل وباب بوجلود ..وحي مولاي عبد الله ...ثم باب الساكَمة عبر ممر باب المكينة حيث كانت تقام الحلقة ...واستحوذ عليها الأن مهرجان الموسيقى الروحية ...عن أي روح يتحدثون ...وسط الحي شارع كبير على جنباته حوانيت ملابس وأكل بمختلف أنواعه من معقودة وحريرة وبيصارة وحلوة شباكية ناهيك عن الكرعين واللوبية والعدس وكفتة باد ريس المشهورة ... ورحبه الزرع وبعض المقاهي وجامع الحمرا وجامع البيضا...وقيساريات ...قلب فاس جديد النابض حيوية ونشاطا....
من حومات فاس جديد حومة سيد الصواف الحومة الثالثة بعد معيدة حوحو وظهور لحوانت على يسار الشارع دخولا من باب السمارين...معروفة هذه الحومة بمدخلها الرئيسي باب لكساكسيين ..قيل أن المحلات التي توجد به كانت تبيع الكسكس ..هي الآن محلات لخياطة النساء البلدية سراويل قندريسة وبيجامات وكسوات وجدية ..إلى جانبها خياط عصري ومطحنة للكفتة ...كانت تقينا تعب طحن الكفتة أو الشحمة بالماكينة اليدوية لإعداد الشواء أو الخليع اللذيذ ...الذي ننعم بأكله مع البيض خلال فصل البرد القارس...
بعد ذلك مدخل البوالة يسارا المؤدي هو نفسه إلى قبة السوق حيث دكاكين وقيسارية تجد فيها التلامط والجلابيب والبلغات والشرابل والقشابات الصيفية ....ومقاهي الحصير المعروفة بنوع كؤوسها وشايها المنعنع أو المشبشب أو المقجوع ناهيك عن القهوة ....
ثم ممر ظهور لحوانت المؤدي إلى باب السمارين تلافيا للإزدحام بعد العصر حين يخرج الفراشة لبيع سلعهم وتبدأ لعبة القط و الفار مع المرود ...
طريق يفصل دروب الحي إلى جهتين يؤدي إلى للا جامع الزهر وظهور لحوانت وباب السمارين ..حيث ينعم الأولاد بماتشات الكرة بين أولاد الدرب التحتاني والفوقاني ..غالبا ما ينتهي بشجار ....الحي منفتح على أربع جهات .....
الجو برد قارس...الزمن ليل..قرابة العاشرة ..الإنارة غير متوفرة في كل دروب الحومة. موعد طقوس أمومة خاصة جدا ...لا يهم من سيفتتح المراسيم ...
تخرج للا شريف من درب الفران الموجود يسارا وأنت طالع للدرب الفوقاني ...الدرب محادي لفران باعلي ...رجل بشوش يخلص في طهي خبز الدار اللذيذ الذي لم يكن ينافسه إلا السفنج في بعض الصباحات التي لا يتبقى فيها خبز الأمس البارد الذي يقر في المعدة ..للاشريف تسكن في الدار القاعية ...باب خشبي كبير تفتح وسطه باب صغرى ثم ردهة تؤدي إلى دار مي مباركة الفرملية ...آخر الردهة يؤدي إلى باب كبير يسار كذلك مفتوح على وسط دار كبير ...وبيوت مقسمة بين ثلاث أسر...أسرة باحماد ..إبن واحد موظف ...وبقية الأسر سيأتي ذكرها خلال المراسيم ...
كانت للاشريف المنحدرة من مكناس تقيم ليلة هلتواتية شاخدة ...الفرقة ترقص بعصي ترافق ضربها مع إيقاع الكًوالات والطبل ...الأطفال مندمجون في المشهد يرافقون الموسيقى ...تز تز تاك زتاك زتاك ..يرددون مع هل توات أناشيد الذكر التي تنقلب كلماتها إلى معيور ..آآبا دريس الحزاق آآتينا لعمامه ...بادريس مول السفنج يسكن في درب بوشنافة يسارا بعد درب الدفوف...كل سكان فاس جديد يتهافتون على شباكيته في شهر رمضان ...وكذلك التلاميذ الذين كانوا يصبحون على السفنج قبل دخول درب الزاويه للمدرسة الإبتدائية حيث كان المدير سدي علي يتهلى فيهم بالتكشميط بعد أن يأمرهم بغسل عيونهم من العماش قبل اقتحام باب المدرسة....
تستمر الليلة الهلتواتية حتى تجدب كل نساء الحي اللواتي تشدهن العظام ..وتبرد كلهن الجنون.....
تنادي للاشريف بأعلى صوت تسمعه كل دروب الحومه من درب الحاج عمارة حتى للكساكسيين ....دراري الحي يتغير موقع سمرهم في الصيف يلجؤون إلى عتبة حانوت باخديم وعتبة مقهى با الحاج التي حولها الفقيه إلى محل للخياطة البلدية باليد ...شتاء ملجؤهم الصابة قرب حمام الشيكي رجال مونسين حميد الفرناتشي بطل القفز من الكاطريام في المسبح البلدي منيسيبال ...حميد يقضي معظم وقته في الفرناتشي يهيء الأخشاب بقطعها ووضعها في الكوشة لتوفير الماء الساخن للمستحمين ....كان بعدما يخرج مباشرة من بيت النار يبرم اتفاقية مع روحه في باب دكان با اخديم الشلح بعد أن يطلب منه لترا من المشروب الغازي الأسود ...يضع القنينة في فمه ولا يتركها إلا بعد أن يحطم رقما قياسيا آخر في عبها حتى أخر قطرة ...بعد ذلك تكون عيناه أوشكتا على الإنفلات من محجريهما ... ...يعلق عليه ولاد الحي ..كح طززز ...كان يقوم بالعمليتين معا حين يشتد عليه السعال ....
في قهقهة يردد الدراري عند سماع صوت للاشريف رصيد ...وا رصيد اتكلم لمك ...ينتابه نوع من القلق إثر استهزائهم .......
في نفس الآن أو بعده بقليل تخرج مي عيشة زوجه با علال ...كانوا ينادون عليه باعلال بوطحوحه ...هوصاحب دكان في الشارع في قبة السوق ...يهيء الكاسكروطات الشعبية بعض الباذنجان والفلفل والبطاطس المقلية ....قرب قيسارية نعيمة لحلو...القيسارية ليست ملكا لنعيمة ...عرفت باسمها لأن صيدليتها توجد على يسار مدخل القيسارية بعد صعود الأدراج ...كانت تدخن كثيرا....كلما مر فركً من الأطفال إلا ورددوا ...فاطمة لحلوووو كتكمي الكَارووو...
مي عيشة وزوجها باعلال منحدران من تخوم تافيلالت ...كانا يقيمان ليلة كًناوية يهتز لها كل الحي صغارا وكبارا....تفتتح طقوسها في وسط الحومة على ضوء الشموع وإيقاعات كَناوة ...وقع سحري خاص جدا...نجد أنفسنا جزءا من احتفالية الفرجة نتدافع مع الكبار في الحلقة ....بعد دخول كًَناوة إلى وسط الدار القاعية تشرع النسوة في الجدبة كل على إيقاع الملوك التي تستحسنها عظامهن ...أثناء الجدبة يردد أحد كَناوى إيوا هنا ...للنساء الجميلات ...إيوا لهيه للأخريات ...كان أعضاء الفرقة بين الطرح والطرح يتسللون للزنقة لتدخين بعض الكيف في السباسى...إنتشاءة النغمة تقتضي انتشاءة الكيف...هكذا حتى نهاية الليلة ...محظوظون جنون الدار القاعية ومفششين ها هل توات ها كناوة...
تنادي مي عيشة على ولدها نصطاسة تتداخل حروف اسم ابنها على لسانها تصبح الميم نونا والفاء سينا على وقع النداء العالي...يتفجر الدراري المقصرين في الصابة مع حميد الفرناتشي ضحكا...نصطاسة سير تكلم لمك ...يقلق مصطفى أكثر من سابقه رشيد ...يغادرهم بالسب والشتم هكذا ينهي المسامرة على إيقاع الكعية.....
تنتقل العدوى لدرب الحاجة ....درب صغير محادي لحمام الشيكي جناح النساء....دارالشوافة هي نفسها دار الحاجة تحتها في شوكة الدرب حانوت با العلمي الذي كان يصلح الساعات بما فيها الخشبية القديمة ..يبيع بعض الحلوى للأطفال ...يأتي للحومة من المدينة القديمة على متن دراجته الهوائية التي كان يأخذها الأطفال خلستة منه لينعموا بتويرة عليها....على يسار الحمام زلايقة حيث كان الأولاد ينهكون مؤخرات سراويلهم بسرعة مفرطة ...دون أن يعرفوا عناء الوالدين من أجل توفيرها...على يمين دروج باب الحمام سقاية بالزليج البلدي وجفنة ماء...يتناوب سكان الحي على ملء المقاريج والسطوله ...كثيرا ما كان يقع العراك على النوبة أمام حانوت باعبد السلام الشلح الذي كان يبيع الأطفال فانيد الماكًنة ....
تنادي الحاجة على ولدها وا بوشعيب دوز تدخل لداركم ...هذه المرة يقوم الدراري المتبقون في الصابة بقلب الإسم عوض الأمهات ...فتصبح السين كُافا....بوكًليب تلكم للوالدة ...يزداد قلق بوشعيب أكثر من سابقيه خاصة وأنه يعاني من نقص في إحدى رجليه التي يكمع بها .....
تنهتي طقوس المناداة على وقع الكعية ...ليتسلل كل واحد من المتبقين لبيته بعد أن دخن بعض لفافات الحشيش الطبيسلة الآتي من كتامة عبر باب فتوح ...لينعم بليلة حالمة في عالمه الخاص جدا.....وتستمر طقوس أخرى هي لسكايرية مابعد منتصف الليل....
نجيب أمين
أزمور / 21/05/2012