*** جنون
جلس كعادته يفكر في نفسه وما وصل إليه...ويبحث عن حل ينتشله ..من رتابة الحياة ..والملل _ لحد الضجر _ الذي يغرقه.ويتساءل عن أزمنة كامنة في خلاياه ..لعلها تأتي بسحائب تجلي التصحر من حقوله ، وتنبت أعشابا تجدد ما هرم فيه.وتغسل خلايا دماغه الناشف لعل الحياة تتدفق فيه فتخرجه من غيبوبة طاعنة في السخرية والعبث.
تعتق المساء في عينيه ، وهو يهيم في الشوارع المتلولبة ..تخز محاجره مسامير البؤس ..والأعين التائهة .. والخطوات المتعثرة هنا ، وهناك.
حاول أن يسترجع سيرته ، فتعب من معين الذكريات ، والصور التي أصبحت في لون الرماد.أغلق دفتر المفارقات ذاك . ثم ألقى بجسده المنهك على كرسي في مكانه المعتاد القصي في المقهى.
كان يتجرع قطرات من قهوته المرة ،التي اعتاد عليها وعلى مرارتها التي تشبه في كثير من تفاصيلها مرارة حياته.. وكان يظن أنها قد تضيق حدقة السؤال ..وتخفف من احتقان الروح ،وعطشه الداخلي ..اقترح على نفسه _ في جلسته تلك_ اللجوء إلى الجنون ، فالمجانين هم أسعد الناس ، لأن عقولهم ليست متورمة من أثر التفكير، ولأنهم لايفرقون بين غابات الأرز ، وغابات الإسمنت، كل شيء في أعينهم فرجة ، ولا حدود أمامهم ، لايخافون محققا ، ولا زنزانة رهيبة في كهف عميق .ولا يكتبون قصائد تزيد الم والغم . ولا قصصا تزيد الحياة قتامة. ولا يقرؤون جرائد ترفع الضغط .. ولا يفهمون خطابات الزعماء ، وصراعاتهم ، ومؤامراتهم التي تربي الغثيان.. ولا تصدمهم فاتورات مفبركة ..ولا يفكرون في غد غامض احتمالات الموت ، والحرب والمرض فيه كثيرة . فلا فزع _ إذن_ ولا خوف من مسغبة أوجوع .. ولا شعور بمذلة ،كل العالم ملكهم لايستطيع أحد انتزاعه منهم..
مع آخر قطرة من قهوته جحظت عيناه ، افتر ثغره عن ابتسامة سرعان ما تحولت إلى ضحكة مجلجلة ، استنفرت الأعين ، وأثارت الدهشة.. أحس بقوة عارمة ، وسعادة غامرة ، وهو يجري في الشوارع غير عابئ بالسيارات المجنونة ، ولا مهتم بأكوام السب والشتم التي تتهاطل عليه ...
انطفأت الذكريات ، وانقطع حبل التفكير .. فنبتت له أجنحة عصفور يطير حيث يشاء بدون حدود ولا قيود.
*** جنون جلس كعادته يفكر في نفسه وما وصل إليه...ويبحث عن حل ينتشله ..من رتابة الحياة ..والملل _ لحد الضجر _ الذي يغرقه.ويتساءل عن أزمنة كامنة في خلاياه ..لعلها تأتي بسحائب تجلي التصحر من حقوله ، وتنبت أعشابا تجدد ما هرم فيه.وتغسل خلايا دماغه الناشف لعل الحياة تتدفق فيه فتخرجه من غيبوبة طاعنة في السخرية والعبث. تعتق المساء في عينيه ، وهو يهيم في الشوارع المتلولبة ..تخز محاجره مسامير البؤس ..والأعين التائهة .. والخطوات المتعثرة هنا ، وهناك. حاول أن يسترجع سيرته ، فتعب من معين الذكريات ، والصور التي أصبحت في لون الرماد.أغلق دفتر المفارقات ذاك . ثم ألقى بجسده المنهك على كرسي في مكانه المعتاد القصي في المقهى. كان يتجرع قطرات من قهوته المرة ،التي اعتاد عليها وعلى مرارتها التي تشبه في كثير من تفاصيلها مرارة حياته.. وكان يظن أنها قد تضيق حدقة السؤال ..وتخفف من احتقان الروح ،وعطشه الداخلي ..اقترح على نفسه _ في جلسته تلك_ اللجوء إلى الجنون ، فالمجانين هم أسعد الناس ، لأن عقولهم ليست متورمة من أثر التفكير، ولأنهم لايفرقون بين غابات الأرز ، وغابات الإسمنت، كل شيء في أعينهم فرجة ، ولا حدود أمامهم ، لايخافون محققا ، ولا زنزانة رهيبة في كهف عميق .ولا يكتبون قصائد تزيد الم والغم . ولا قصصا تزيد الحياة قتامة. ولا يقرؤون جرائد ترفع الضغط .. ولا يفهمون خطابات الزعماء ، وصراعاتهم ، ومؤامراتهم التي تربي الغثيان.. ولا تصدمهم فاتورات مفبركة ..ولا يفكرون في غد غامض احتمالات الموت ، والحرب والمرض فيه كثيرة . فلا فزع _ إذن_ ولا خوف من مسغبة أوجوع .. ولا شعور بمذلة ،كل العالم ملكهم لايستطيع أحد انتزاعه منهم.. مع آخر قطرة من قهوته جحظت عيناه ، افتر ثغره عن ابتسامة سرعان ما تحولت إلى ضحكة مجلجلة ، استنفرت الأعين ، وأثارت الدهشة.. أحس بقوة عارمة ، وسعادة غامرة ، وهو يجري في الشوارع غير عابئ بالسيارات المجنونة ، ولا مهتم بأكوام السب والشتم التي تتهاطل عليه ... انطفأت الذكريات ، وانقطع حبل التفكير .. فنبتت له أجنحة عصفور يطير حيث يشاء بدون حدود ولا قيود.[b]