الزجل أندلسي النشأة. وهو ك خروج عن الإيقاعية الموروثة. وقد وقع الكثير في الخطإ عندما خلطوا ما بين الزجل والملحون، ولو أن الملحون فرع من القصيدة العامية. وهذا الخلط ربما جاء من جراء اعتبار المقولة التي تؤكد على أن الولادة الشرعية للزجل جاءت من الملحون ومن المولديات، ومن تلك المطولات التي كانت تسرد في الزوايا بمناسبة المولد النبوي.
ويمكن القول بأن الزجل يرجع إلى جذوره الصوفية للتعبير عما أصبح المغرب عليه أيام بني مرين، وبني وطاس، والاحتلال الذي تعرضت له الشواطئ المغربية على يد الإسبان والبرتغال.
وقد أجمع أكثر الباحثين على أن الزجل أندلسي الأصل. فهذا ابن خلدون يقول في مقدمته: << ولما شاع فن التوشيح في أهل الأندلس، وأخذ به الجمهور لسلامتهن وتصريع أجزائه، نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله، ونظموا على طريقته بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيه إعرابا، واستحدثوا فنا سموه بالزجل>>. وهكذا نرى بأنه محاولة لتقليد الموشحة، ولكنه شعر العامة، وبلسانهم. ولذلك اعتبر الزجل الإعراب نوعا من القبح ، حيث يعتبر ابن قزمان: << الإعراب أقبح ما يكون في الزجل وأثقل من إقبال الأجل>>.
وأول من أبدع واشتهر في الطريقة الزجلية، أبو بكر بن قزمان القرطبي، من شعراء عهد المرابطين، كما يؤكد ذلك ابن خلدون في مقدمته . وكان ينتقل من بلد إلى آخر ينظم الزجل، ويمدح به الأمراء والكبراء. وكانت هذه الطريقة قبلا تنسج عليها العامة من أهل الأمصار، فأصبح ابن قزمان إمامها،ورفع مقامها إلى مصاف الصناعة الأدبية.
ويزعم المستشرق( ليفي بروفينسال)، أن الشعر العربي الاتباعي لم يستطع أن يخلق جوا خاصا بالاندلس. لأنه ظل خاضعا لتقاليد الشعر في الشرق العربي. كما ظلت قرطبة محافظة على تقاليد دمشق وبغداد في الحكم والحياة العامة. أما ذلك الجو الخاص الذي يتأثر بطبيعة البلاد الجديدة، فيجب أن نبحث عنه في الشعر الشعبي، وهو الموشح والزجل. وهذان الفنان يثيران مشاكل لغوية، وأدبية لم تدرس بعد دراسة شاملة.
ويضيف قائلا: وقد هيأت اسبانيا للعرب وسائل ازدهار حضارة تعدو وسطا بين العالم العربي الذي كانت تتأثر به، والعالم الأوروبي الذي كانت قريبة منه. فنبغ فيها طائفة من المفكرين العرب. وكان جديرا بعرب الأندلس أن يوفقوا إلى خلق أنماط من الشعر خاصة بهم. وقد وفقوا في ذلك في الموشحات والأزجال. وقد كانت الأزجال تنظم للغناء، وهو ينظم بالعامية .
كما أن الصوفيين أخذوا ينظمون أورادهم وأناشيدهم أزجالا يضمنونها ألوان الوجد التي اشتهروا بها، وهي لا تقل جمالا عن شعر التصوف الذي جرى به بعد ذلك لسان بعض القديسين بأوربا. وقد كان ابن عربي أول من نظم الأزجال الصوفية، وجرى مجراه الششتري.
كما يشير الدكتور الأهواني إلى نظرية" ريبيرا"، التي شرح فيها كيف أن الزجل كان يغنيه في قرطبة جماعة من الناس، فيبدأون بالمطلع، ويكررونه مرات، ثم يكفون عن الغناء، ويبدأ الزجال فينشد الغصن الأول وحدهن والجماعة سكوت، ثم يعود الجمهور إلى الإنشاد، ليغني القفل الثاني من الزجل.
والأصل في الزجل ليس الجزالة وإنما الرقة فيه مطلوبة مع لطف في التخيل، وحسن السبك.
1- مكونات الزجلية:
وتتألف القصيدة الزجلية من بيت أو أكثر، إلى ثلاثة أبيات في مستهلها تسمى المركز، أو الدورة التي تتكون غالبا من 4 أشطار:
ياجوهر الحلال ********* يا فخر الأندلوس
طول ما نكن بجاهك****** ليش نشتكي بوس
وتأتي بعدها المقطوعات من 5 إلى 8 أبيات، أو أشطار من الشعر تتألف من الأغصان. وهي ذات قافية أو قواف مستقلة، وتنتهي ببيت من الشعر يقال له : ( السمط)، توافق قافيته قافية المركز:
صار الزمان صديقي
أراد أو لم يريد
وريت أنا سروري
جديد ورا جديد
وكل ليلة فرحة
وكل ليلة عيد
ثم نجيء بالقفل:
واجليت فيه آمالي
وبت أنا عروس
والملاحظ أن الزجل يبتعد عن شكل القصيدة الفصيحة، زيادة على تعريته من الإعراب. ولو أن بعض الباحثين مثل: ( غارسيا غوميس) يؤمن بان أوزان الزجل إسبانية. ولكن الذي يجب الانتباه إليه هو أن الزجل ابتدأ بالأغنية الشعبية
المجهولة المؤلف. كما أن تأثر الزجل بالموشح جعله يدخل دورا من التصفح. فمثلا لنسمع بان " نمارة الأندلسي" يقول:
قدر الله وساق الوسواس
أمكرت على عيون الناس
ولعبنا طول النهار بالكاس
وجا الليل وامتد مثل القتيل
وهذه الزجلية لا تبتعد كثيرا عن الموشحة الفصيحة. ولذلك كان الزجل في بدايته يشبه الموشحة في خرجاتها وأغصانها وأقفالها. ولنسمع الشيخ الحراق يقول في زجل غرامي، متبعا طريقة التوشيح:
جاد الزمان واستبشر قلب الهايم
وتحلى بالسعد حين صاب مناه
نكى الحسود وظفر بالعز الدايم
وأصبح يتبختر في ثياب هناه
طاب السرور
مع البدور
بيض النحور
فاغنم كأس الراح
ها حبيبك زار
اسق ودور
وانف الشرور
طول الدهور
ساعة السلوان
فايدة الأعمار
آت المليح واعصي باللوم اللايم
واعمل في أيامك ما تهواه
وانشد من أشعارك في الحسن القايم
نجمك صاح صار في صعود سماه
وهكذا يعتمد الزجل على عدد من الأوتاد والأسباب الخفيفة والثقيلة. والقصيدة الزجلية تشبهها الأراجيز، وهي قصيدة صوتية شفاهية، لأن قراءة الزجلية لا تؤدي كل جماله. ولذلك وضع الزجل ليغنى. لأن تغنيه يعطيه صيتا وانتشارا. كما أن الزجال واع بهذه المسألة. فقد اعتمد النبر أكثر من اعتماده على مقياس الحركة والسكون في التفعيلة. لأنه يعرف سقوط الإعراب. فهو يتفاعل مع القصيدة ويتصورها، ويتلبسها، ويعطيها تلك العصرة، وهي الإلقاء الجيد.
2- مواضيع الزجلية:
والزجلية اهتمت بجميع المواضيع. فقد كانت في عهد بني مرين، وبني وطاس تتعرض لكل القضايا الغزلية، والسياسية والاجتماعية، والأدبية إلى غير ذلك... كما نجد عند ابن شجاع في النقد الاجتماعي، وكذلك في الغزل، والغرام، وعند الكفيف الزرهوني، وابن داود، والعذراوي.
وقد كان في عهد العلويين يتناول تقديس الله تعالى، وتمجيد محمد صلى الله عليه وسلمن وامتداح الصالحين. وفي ذلك يقول قدور العلمي:
آش من عار عليكم آرجال مكناس
مشات داري في حماكم يا هل الكرايم
واليوم انحصر دور الزجل في مواضيع ذاتية ضيقة، كما أن تسميته اضطربت ما بين عدة مصطلحات من مثل: الزجل، والعروبيات، والكلمات، والشعر العامي.
3- أنواع الزجل والمراحل التي مر منها:
والزجل أنواع منها:
• زجل الرثاء، ويسمى: البليق .
• زجل الهجاء. ويسمى: القرقي .
• الزجل المغنى. ويسمى: الطيار .
والقصيدة الزجلية المغربية رغم تعدد ألسنها من عروبي، وسوسي، وريفي، وزياني(تمزيرت)، فقد مرت بمراحل هي:
1- مرحلة التباهي القبلي: وهذا يظهر في تفاخر القبائل المغربية والدواوير أثناء أعراسها، وزرداتها، ونزهاتها، وحروبها. وما زال هذا واضحا في أغنيات القبائل الشعبية. زيادة على أن الزجال كان يرتبط بقبيلته، فهو لسانها، ووصافها المظهر لكرمها، وقيمها، وشجاعتها،
وحالتها الاجتماعية والسياسية. وربما هذا ناتج عن التأثير بالقصيدة الفصيحة، كما يقول" الكفيف الزرهوني" في زجله السياسي:
سبحان مالك خواطر الامرا
ونواصيها في كل حين وزمان
2- مرحلة القصيدة الزجلية والاستعمار: مثل القصائد التي تؤرخ لحادثة وادي زم، ودخول الأمريكان إلى الدار البيضاء، كأغاني الحسين السلاوي، والقصائد التي تتحدث عن فرض القبطان للمس بأساس النظام القبلي، وتأريخ لعهد السيبة، والمخزن.وهذا ما زالت تظهر ملامحه في الحلقة المغربية بجامع الفنا عند المسيح وبولبطاين، وعبيدات الرمى، ولبساط، والسيرة الشعبية.
كما أن بعض الزجالين المغاربة خاصة السوسيين الذين قاوموا الاستعمار الفرنسي من أمثال: ( مولاي علي- جانطي- بوبكر ازعري)، هذا الأخير الذي ترتكز قصائده على ثلاثة أسسن هي:
• نقد الأخلاق الاجتماعية الفاسدة، وتدهور القيم الإنسانية .
• التذمر من الفقر .
• استنكار الخنوع والخذلان وروح الاستسلام للمحتمل .
ولنسمعه يقول في قصيدته( الرباعية) وهي بالأمازيغية:
ذهبت الرباعية وضاع منا بوشفر
آه لقد صبحت وحدة منكن يا لعيالات
لبست الإزار والشوايات
وتزينت بالأقراط والدميلجات
ويحي فين أنا غادي
ليكانوا كيقودنا صبحوا ورانا
هانا واقف، نصارع سيل الوادي العارم
وكل ما هدمه، يأمرني نبنيه .
3- المرحلة المعاصرة: وهي لا تخلو من مؤثرات أربعة:
• التشبث بالزجلية القديمة التي هي أقرب من الموشحة ، مثل قصيدة
الصبوحي) للعذراوي :
الصبح كشريف أرخى ذيل إزارو
ولبس من الديباج غفارا
والليل كغلام أسود شاب عذاروا
وشعل من البياض منارا
الصبح كنسر يتعلى
والليل سال دمع غرابو
والضوء في سماه تولى
وأرسل على الظلام عتابو
• التأثر بقصيدة الحداثة الفصيحة شكلا ومضمونا. كما نجد عند ( محمد موتنا) في قصيدته ( الغبينة ولهبال وسوارت الريح):
وصل الصيف والصيف وصال
حصدنا شله ودرسنا شلة
وما طحنا والي....
ما عجنا والو....
ما كلنا ولا
والخبز؟. والطحين والتبوريدة؟
• التأثر بالموجة الغيوانية: حيث تغيرت مجموعة من القوالب الزجلية:
سلامي ليك خيي و دموعي على الرخوة
غناي عليك و بكاي على السهوة
شحال من مرة سهيت يا وطاني
وشحال من مرة سهينا فيك؟
سلامي ليك يا عبد الله
تحزمت بلوطان شلا وفلوح الروح تنزلت قوافي( محمد موتنا: تغنجة)
• التأثر بالأغنية المغربية، ثم بموجة الراي: والقصيدة الزجلية اليوم، يحاول كثير من الزجالين المغاربة من أمثال: محمد موتنا، و مصطفى سنينة، والطيب العلج، وأحمد البتولي، و محمد الدرهم، و احمد لمسيح، إزالة الغبن عنها، وذلك بدخول عوالم جديدة، وخلق صور جديدة ترفع من شاعرية القصيدة الزجلية.
• فخاضت الزجليات في الأدونيسية، والبنيسية، والراجعية وانغمست في الحداثة والتجريب، والالتزام، واللاواقع.
والقصيدة الزجلية فن قبل كل شيء. وهي نوع من التنفيس عن الذات. الشيء الذي جعل الزجل المعاصر أو الحديث مليئا بالقيم والعواطف، والأحكام الموضوعية، والرؤى الناقدة والواقعية، وخلق كل هذا الانسجام التام بين مكونات النسق الزجلي. وبالتالي جعلها مسوغا مقبولا نوعا ما، ولها مكانتها داخل كيان الأدب المغربي المعاصر.
كما أن أكثرية الزجليات خاصة عند الزجال محمد متنا لا تخلو من مؤهلات تدفع إلى الانعتاق الحر المقنن بثوابت الإبداع التي ترسم لها جمالياتها، وهذا في الواقع ناتج عن وعي يدفع إلى الهروب من أي التصاق بخطاب الثقافة الرسمية:
كدام سخونة وشارع طويل
يبان فلقصيدة ويغيب ف الطريق
نهار من ذهب وشعاع يسيل
شلال ف الحلم يغرب ف الشروق
بدية النهاية؟ ولا نهاية لبدية؟
هاوية ف لعلو؟. ولا طيحة واقفة؟.
( محمد موتنا: طريق البحر. مجلة آفاق ص: 79)..//..
محمد داني