ديوان (كلام الهم وهم الكلام) للزجالة فاطمة بلعروبي

ديوان (كلام الهم وهم الكلام) للزجالة فاطمة بلعروبي
متابعة : عزالدين الماعزي
الماقبل..
صدر عن مطبعة آنفو برانت ديوان جديد للزجالة المغربية فاطمة بلعروبي بعنوان (كلام الهم وهم الكلام ) في طبعة أنيقة في 88 ص وبحوالي 15 نصا زجليا (كالو ضحكي ، سيف السيوف ، مكتوب ، الخالق الرازق، المكانة، اطبول الكرم ، مغبونة ، شفت في منامي ،كيف تراك العين ، مالك للا ، صباح الخير، الهيش ، يا ريت ،،،)
في تقديم الأستاذ اسماعيل بن هنية كتب ( تعيش الشاعرة هنا همين ،او بلغة المفرد هما مزدوجا ،هم يسكن جغرافية الروح ويكاد يخنق بقبضته مكنون البوح، ولسان أخرسه الحزن فلم يستطع من أسره فكاكا، لترسم بذلك صورة شعرية بهية تقرن اللسان بالكفة المثقوبة ، فيتجسد أمامنا جليا عجز الذات عن الفعل .
يحيلنا هذا المقطع الزجلي على عنوان الديوان كلام الهم وهم الكلام وهو كاشف يضيء مسارب المنجز الزجلي ومنفذ يقودنا الى رحاب النص ، فالكلمات هنا ترفو خيوطها على نول الهم في صيغته المتعددة ، وتنسج معناها من خلال اليومي الذي يتزيى بأردية الألم والظلام ،عالم واقعه وأحلامه تتوارى خلف قتامة الضباب بعيدة عن مهوى الشمس هنا يتخذ الهم شكلا هيوليا ليرمز الى الانكسارات التي تعاني منها الذات والى تصدعات المجتمع الذي يحتويها ..
من نصوص الديوان نقرأ اطبول الكرم ص 31
اطبول الكرم حركها
البرد الهايم بلا وكر
والمراير المسهلة المسير ف الغابه
تلفها ورق الشجر
اللي ذبلاتو برودة الخريف
وكلات عروقو دودة منحوسة
ماكلة الهيف ..
اطبول الكرم برزطت منامي، في ليالي باردة
مافيها ما يتذكر تقتل العروق
وتقوس الظهر...
الديوان جدير بالقراءة والإنصات الى تجربة شابة تشق طريقها بإصرار وبعنف بدوي ومكابدة في الإبداع .
أشير ان القصايد كتبت مابين 2000و2011 وان صورة الغلاف من عدسة الأخ صابر ماعزي وترميد الفنان المختار بن دغة ..
الما بعد,,
عرفت والشهادة لله (فاطمة بلعروبي) صوتا إبداعيا في لقاء بالزمامرة أول مرة رفقة بعض الفعاليات ..
تبدو محتشمة خجولة ليس لأنها مثقلة بالهم كما سنعرف فيما بعد بل لأنها تحاول ان تؤكد تميزها وسرها الذي تحمله داخلها.
تبادلنا القليل من الكلام وسلام التعارف الأول، وفي لقاء ثان بسيدي بنور جاءت محملة بمسودة من ديوانها فرحة كفراشة، شجعتها بالنشر وبعد عام أو أكثر فاجأتني بديوانها الملفوف في ابتسامة بيضاء وهم ثقيل لان عتبة الغلاف بيضاء رفقة صورة ملتقطة لها من عدسة الأخ صابر تلك العين الأخرى وهي تمثل رحلة الى البحر بحر الجديدة او نواحيه ، طبعا ارتحال دليل مكابدة وهم آخر تحاول ان تفرغه قبالة البحر، البحر همي، وهمومي شلا هموم ، تجمعنا أنت يا لبحر ,,, هكذا يقول الشاعر في احد المقاطع المنفلتة بعنوان دال ب( كلام الهم ) الذي يعبر الى التقاطع بين كلمة الى أخرى والتقابل في المعنى والتضاد فيه. هذا التقابل هو تضاد بمعنى المد والجزر قبالة البحر حيث توحي الصورة الى الكثير من الأشياء بين الذات التي تنفلت حين تنغرس قدماها في ماء البحر، ماء الهم وبين الخوف والوقوف أمام شموخ البحر . الهم وأمواجه في الأمام والصخر في الخلف بين الخفة في الدخول وثقل الهم ، الصخر والبحر كلاهما كلام يحتمل التأويل والمعنى وفي ذلك درجات وما ينتج عنهما من توتر وانبهار وإحساس داخل نفس الشاعرة ولدته هذه القصائد الأولى التي كشفتها في ميزان ديوانها وكتبته .
نتساءل عن النصوص الأخرى المغيبة بوعي او بدونه وفي ذلك قراءة أخرى للمتن .
في الغلاف الأخير صورتها تقرأ الهم وسيرتها التي تحدد انها من مواليد منتصف السبعينيات وقليل ما تكشف المرأة عن عمرها عن صندوق سرها وأسرارها . وبجزء من نص تعتز به من قصيد (طبول الكلام) بين صورة هي مساحة لألأة نجوم في السماء انتشار همها بكلام زجل عنونته ب(كلام الهم وهم الكلام )..
نعود الى كلمة الإهداء وتخصه الى الحبوبة وأقدام الجنة والنبع الصافي الأم والى إخوتها وأصدقائها تهدي ثمرة إحساسها وعصارة عذابها..
في تقديم الأخ الناقد والمبدع اسماعيل الكثير ما يقال والكثير ما لا ينقال ، يقدمها بأنها زهرة الزجل وأنها تغلغل الكلمات لتكشف خبايا جيل بكامله وتعيش همين وان هذا ضوء كاشف يضيء مسارب المنجز الزجلي ومنفذ الى رحاب النص وانها تجد خلاصها في البوح ويقول أيضا ان كلام الهم وهم الكلام مكابدة في الخلق والإبداع..
نتساءل فيما لا نعرفه هل تعامل الأستاذ اسماعيل بنهنية معها كمفتش تربوي كسلطة من فوق ام كمنتج لإبداع ..
أم إنتاج محلي أثاره وأدهشه وحاول استقراء سؤال آخر أوجهه لها لم احتمت الكاتبة بمبدع يكتب القصة والنقد ولم تلجأ الى زجال او ناقد في الزجل..؟
نعود الى الديوان الذي يتضمن 15 نصا يبتدئ ب بكلام ضحكني وسيف السيوف وينتهي براحة البال وحروف الهم
كل النصوص كتبت بمدينة الزمامرة ما بين 2000 و2008 ونص واحد في 2011 ، أين نصوص السنوات الأخرى ولم هذا التوقف في الكتابة ؟
مع الإشارة الى ان العنوان هم الكلام كنص غير مضمن في الديوان والى توفقها في اختيار دلالة العنوان.
نصوصها هي مجرد عبور يسيل كما تقول في بياض الحرف تبحث عن الفرح المؤجل وتنتعش بجرح الآهات التي تتكرر في حوار داخلي..
كلت لهم : وانا اقلبي يطلع تنهيده بتنهيده
والدموع في خدي كل وحده ترسم طريق جديده
نضحك كيف يضحك سني
وانا حقي ضاع مني ف الأفواه
وما اعرف الفرح شكون داه ؟ ص 8
هذه الغنائية المجروحة.. تستهويها الحكم البليغة من تجربة الحياة ونبعها ..
را قرص النحل لازم
الا بغيت عسل الجبا ح
سيف السيوف سيف لي سيفو
وم خلاني نطير في سمايا ص14
وتضيف لا تخافي من ظلام الليالي العطابة
را عتمة البيوت
يقهرها ضو شمعة مكشوف ص15
وفي مقطع آخر تأخذ الزجالة فاطمه الصورة من الواقع تقول:
ولكن الهم را بحال درك النصارى نابت ، نابت
وخ تعيى م تقلع فيه ص25
تعيش ا لشاعرة إحساسا عارما بالفقد الذي يعتبر سمة من سمات تميز الشعر العربي المشترك مما اكسب الشعر عمقا إنسانيا والتصاق قصيدتها بمفردة هم يبدو في البداية نكرة لكنه اكبر من ذلك بكثير فإذا جربنا المنهج الإحصائي سنجد ...
مقاربة هذا الديوان تحدد وتفرض على القارئ ان يحدد مدخله القرائي واعتقد ان المدخل الأول الذي يفرضه الديوان علينا مدخل يستلزم التعامل معه بحذر وبمعرفة تامة بالجوانب المحيطة أي القريبة وثانيا البعيدة ذلك ان أول قصيدة تواجهنا في الديوان هي : كالو ضحكي . المطالبة بفعل مغيب لدى الشاعرة هذا المدخل يؤكد ما ذهبنا اليه بخصوص ينبوع الهم الكبير الذي يسكن الشاعرة، إضافة الى كم تواجد كلمة (الهم) طول الديوان باعتبارها كلمة رمز كلمة حاضرة متواجدة بكثرة..
(اكثر الهم علي واقوات الأحزان وامشات الضحكة على الوجه المبشور) ص7
ما درجة تواجد هذه الكلمة بهذا الشكل..؟ سؤال يدفعنا الى البحث أيضا هل هناك تناص داخل المجموعة . هل هناك مرجعية ثقافية ودينية..؟
الديوان يستدعي الكثير من القراءات المتعددة والتي بالكاد تقود الى أسئلة مفرخة من الأخرى ،لن تكون مغيبة نتيجة الدقات المتكررة لشاعرة مشكلتها ان قلبها مهموم بسيف السيوف وبالمكتوب ،ألاحظ ان هناك تحولات خارجية وداخلية جاءت متوازية مع مفردة الهم التي تستعملها بكثرة مرة وراء حروف الجر متتابعة او وراء تقابلات وتضادات بعد البسمة جا الهم ، ايام جايا وايام مكتوب لي الفرح ومكتوب لي القرح ، فات ،والسعد والشقا ، فينا القاتل فينا المقتول فينا العاقل فينا المهبول،،،
اخيرا يظهر ان الديوان كله ابن بيئته البدوية بدلالة استعمالها لمفردات وتعابير بدوية: الفركان، النكدة ، قلبي كدات ،المزود ،العرام ،درك النصارى ،خربة ،كالسة ،سمع عياطي ،الركاد،،،
نلاحظ أيضا استعمالها للحكم لتعزيز نصوصها ومدها بالقوة والأصالة لم لا والانتماء والاعتزاز كما تقول ببداوتها وانتمائها تعتز الى مدينة الزمامرة والى إقليم دكالة بالضبط وتؤرخ لمرحلة تاريخية معينة. بالتأكيد لأنها تكون أول صوت نسوي بالمنطقة اذا لم تخنني الذاكرة، واحد الأسماء التي تعلن ميلادها بإعلان صرخة الميلاد..
الملاحظة الأخرى هي تواجد الحلم كقيمة فنية مضافة . هذا الحلم نتساءل هل هو حقا ام يظل حلما دون تحقق ؟
واحد نصوصها معنون بشفت ف منامي ص43
أخيرا،
مرة أخرى هذه القراءة المتواضعة في حاجة الى أخرى وأخرى توفي الديوان حقه، تتابع ما به من تواليات واشتغالات وإشكالات بلاغية ودلالية وترصد بعين النسر ما أضافته للمتن الزجلي بالمغرب..

شكرا للقاص الجميل عزالدين الماعزي لفتح هذه الزاوية هنا على ديوان الزجالة فاطمة بلعروبي...قراءة تفتح الشهية للمزيد من البحث واستقراء النصوص...دمت بكل الود صديقي