رابط المفالة
http://azizbensaad.malware-site.www/archive/2008/12/756584.htmlخصوصية القصيدة الزجلية الحديثة
بالمغرب.
محمد رمصيص
تسعف هذه القصائد المختلفة من حيث العمق والحساسية على تلمس خصوصية الكتابة الزجلية الحديثة بالمغرب.. متن زجلي عرف جملة من التحولات إن على مستوى وسائطه الفنية أو المضامين المطروقة بحيث بثنا نصادف بروز هم الذات المبدعة بالموازاة لتراجع القضايا العامة أحيانا.. وسؤال الهوية ثم سؤال التراث والموقف من الواقع المتسم بالصدامية والرفض أحيانا أخرى..وذلك من خلال مساءلة ذاكرتنا الشعبية الحية التي تختزن ثقافة غاية في التنوع والثراء.. ونذكر على سبيل التشخيص توظيف الأسطورة المحلية هينة والغول نموذجا والمرويات الشعبية حديدان الحرامي مثالا...
أما على مستوى سؤال الهوية فقد رام الزجال إسقاط وهم نقاوة أصل الذات بتوظيفه لروافد متعددة ومنها اللغة والرمز الأمازيغيين مثلا. فضلا عن هيمنة الجمل الاستفهامية الدالة على نزوعه للثقافة النسبية واستبعاد الإطلاقية ...وبذلك ربطت القصيدة الزجلية الحديثة الأدب بالحياة والدارجة بالشعر.. وطفقت تؤسس لجماليتها الخاصة /المتفاعلة مع جملة من الأسئلة الجوهرية منها : متى تنتهي الدارجة ومتى يبدأ الشعر ؟ وهل هناك دارجة واحدة أم هناك دارجات؟ وهل تقدر الدارجة الجمالية على نقل عمق الحياة وتخوم الواقع ؟ أم أن دارجة التواصل اليومي هي الأقدر على رصد حرارة المعيش.
إن تفاعل الزجال المغربي الحديث مع هذه الأسئلة وغيرها أعطانا متنا زجليا مميزا بلغة مكثفة ومشحونة بتأملات الذات والواقع والتفاعل بينهما ، بل و نزوعه غير المهادن للمواضيع المسكوت عنها وبالتالي ميله للرفع من سقف حرية الإبداع الواطئة . فضلا عن اتكائه اللافت للانتباه على الصورة الشعرية المركبة والمشغلة لجميع الحواس بنية رفع دقة الرصد والتصوير. وهذا المكون الجمالي تحديدا يسعف على تمثل نوعية خيال الزجال وفاعلية تصويره لما مر به سواء أكان شيئا ذهنيا ومجردا أو مرئيات حسية .. وسعيا منا للوقوف عن قرب على هذا الملمح الفني - مادامت الصورة الشعرية مكون ثابت في الخطاب الشعري - نسوق هذه القرائن النصية التي تعد نوعا من احتفال الشاعر بتخزينات ذاكرته الجمالية محاولة منه تصوير لحظات زمنية مكثفة تمنح المتلقي فرصة التعرف على زوايا معتمة وخفية في التجربة الإبداعية والإنسانية على حد سواء .مع وجوب تسجيل ملاحظة طغيان الصور الذهنية على الصور التشخيصية والوصفية بالقصيدة المحكية. يقول الزجال أحمد المسيح في قصيدة »خيال الما« :
خليوني نكابر بعكازالصبر
وهمي نكميه ف سري
كل ما فات رماد
مدفونة في صدري.
ساتر حالى بالمعاندة
فخيال الحلم حفرت قبري .
ان هذه الصورة المركبة من مشمولات الواقع وتجربة المبدع الخاصة تفصح من جهة عن خبرة الزجال الفنية في رسم صورة ما يعتمل بداخله .ومن جهة ثانية تفاعله مع المرئيات المخزنة بالذاكرة.. ولذلك فالصورة الشعرية في الغالب تشكل الطريق الملكي للكشف عن عوالم مجهولة إن على مستوى الذات المبدعة أو الموضوع المطروق.. علما أن سر جمال هذه الصورة الشعرية يكمن في ملمحين:عنصر الدهشة لأنها في تصوير الواقع تجعلنا نحس وكأننا نتلقاه لأول مرة. ثم عنصر الغموض الذي يمنح هذا المقطع الشعري احتمالية تعدد المعاني والايحالات .وهو ذات الشيء الذي نصادفه في قصيدة’’طيرالله’’لمرادالقادري.يقول:
دير شرع ذاتك
خاوي لكلام..بسكاتك
وك الطالع ف صومعة
ك الهابط ف بير
كون جوع بلاعنين.
فهذه الصورة الشعرية بالإضافة لكونها تراهن على طزاجة اللغة تستثمر موسقى الحرف وتضاد الكلمات والصور المتلاحقة الموسومة بالحركية اعتمادا على الجمل الفعلية الواردة في زمن الأمر.. وبالتالي انفتاح الخطاب الشعري على المخاطب. بخلاف قول محمد الزروالي في قصيدة’’لغطة ’’والتي يتخللها حوار داخلي يوجه الرؤية نحو الداخل مما يجعل القصيدة طافحة بالبوح والتصريح بما يجيش بالنفس.يقول في مطلعها:
م زهيراللوطوسمعت أنا لغاط
حرك وجداني ب مبيت خفيف
تشوك شعري وطلعني الشياط
وأنابينكفوف الأطلسوالريف
وقفت الشيفور وكلعت السباط
قلت له:سكت واصح كن ضريف
أما الشاعرة نهاد بنعكيدا فتبني صورها الشعرية على أدق جزئيات الواقع وشوارده،كاستتمارها لصورة منوال نسج الزرابي وتوظيفها لمعجم الحياكة ’’الركمة،اللون..’’بقصد مماثلة الكتابة بالحياكة في التعبير عن مركونات اللاوعي والاحساس الجواني،بحيث تعيد صور المقطع التالي تشكيل المدركات الحسية وبناء عالم مرئي مخترقا بالذات بعد أن تمكنت منه وطوعته ليعبر عنها ، وتصبح المتعة التي تمنحها الجزئيات المألوفة قرينة الكشف والتعرف عن الخفي من رغبة الذات المبدعة ومخيالها الفني .تقول الشاعرة نهاد بنعكيدا
وقفت لمناول بين كتافي
وطليت من شرجم ليلي
نسرق الشوفة فخيالك
وهو دايز
شهوتي نشوفك
ونرمي الركمة بلون حروفك
أما الزجال عزيز محمد بنسعد فيبني صورته الشعرية على أنقاض تدمير المسكوكات اللغوية وتحويرها بنية تحقيق حضور الذات المتلفظة في الخطاب الشعري . وهو في ذلك يعتمد جمع الأضداد كأحد أهم أركان الجمال في الشعر ، كما في الصورة التالية قي قصيدة صياد لمعاني ، يقول:
صياد لمعاني يلكاها
احني الراس
ياجبال الأطلس ، باغي نلكاها
فإذا كانت هذه الصورة الشعرية تطابق بين سمو المعاني وعلو الجبال، فإنها في ذات الآن ترمز لصعوبة الظفر بالغايتين.. وتحيل على بنية التضاد بين السمو والانحناء، صعوبة لا تلين إلا أمام إصرار صياد لمعاني وهذه إحدى الغايات الهاربة والمنفلتة باستمرار .
يقول ادريس بلعطار في قصيدة برية ورقاص:
صباح الخير عليك
يا عسل الشهدة
من قطران شاط في العزلة زادي
يا رحيق الوردة
شوكها مغروس ـ خلوق فنشادي
إن صورة شعرية بهذا التركيب تتطلب إعمال الفكر وكذا الذهن لإدراك مدلولها وتؤشر في ذات الآن على نفاذ النظرة وحدتها وعمق الإحساس بمكونات الواقع والسفر بها من معنى حسي إلى معنى ذهني مجازي. فتوظيف الشاعر لجزئيات الطبيعة بقدر ما يؤنسن الجماد يمنحنا فسحة التعرف على مخياله ورموزه وعمقها الجمالي.تماما كما فعل الزجال محمد الراشق في قصيدة ’’لرياح الجاية’’مستثمرا لمكونات الطبيعة /المعلم الأول للإنسان.وعلى حد تعبير الدكتور مصطفى ناصف’’الصورة الشعرية ليست في جوهرها إلا هذا الإدراك الأسطوري الذي تنعقد فيه الصلة بين الإنسان والطبيعة’’1.يقول الزجال في مطلع القصيدة:
يالرياح الجاية
ديري بحساب العريان
الرميلةعلى قد الحال
والذات معلولة
والكانة مقتولة.
وذات الشيء يقال عن قصيدة " واخا بلا غدر" للزجالة فاطمة شبشوب.تقول فيها:
يا الساقي بعيونه
خمرة طايلة مثلجة
هاج عطشي ماروى
زاد مرضي بلا دوى
فهذا التشبيه المركب الذي يصور المعشوق كساق والعاشق كنديم، يلحق صفتي السقم والظمأ بالثاني وبالتالي حصول حالة انفصال العاشق بموضوع رغبته مما يؤجج طلب ووصال الراغب بالمرغوب مع معاودة ظهور بنية التضاد كنوع من الطباق بين سقي الخمر المجازي وظمأ الحبيب الأبدي ...أما الزجالة الزهراء الزرييق فتبني صورها الشعرية على ربط المجرد بالمحسوس في الغالب بهذف اثراء الحساسية وتعميق الوعي ..توليف بين الرموز والكائنات الحية يشعرك بالحركية وتحطيم الحواجز بين الانسان والطبيعة،بين الماديات والمعنويات.تقول في قصيدة لساني يالساني:
ملي نبغيك في هجى
كون سم ثعبان
شاعل قايد
حمى من سفافد وقطبان
وملي نبغيك مداح
امدح بالحق لا طمعان
في عمارة شكارة أو زريبة خرفان.
إن هذه القرائن النصية وان كانت تمنحنا فكرة جزئية عن مسارات تحول الكتابة الزجلية بالمغرب فإنها لا تنوب البثة عن النصوص التي تعطي فكرة شاملة عن تطور شعر اللغة المحكية ، معجبا وتركيبا وإيقاعا ودلالة ...صحيح أن غاية محور الصورة في الشعر هي تجاوز اللغة الدلالية الى اللغة الإيحائية ورصد عمق مخيال المبدع لكنها لا تعطي صورة كاملة عن تطور مسار القصيدة الزجلية بالمغرب وإنما قصدنا الإنصات لإحدى روافدها المائزة والتمثيل فقط لما رمناه نظريا.
وتبقى الإشارة في نهاية هذا التقديم إلى أن عملا توثيقيا من هذا الحجم بقدر ما يسد الفراغ الموجود على هذا المستوى ، يحقق مصالحة فنية بين جمهرة القراء والزجل المغربي سيما وهو موثق بالصوت والكتابة ...وهذا أفق جديد للزجل يسعف على تداوله ودراسته بشكل أدق وأعمق ، علما أن هذا ليس سوى الجزء الأول والذي ستتلوه